إلى رحمة الله

الخطّاط سيّد أحمد الرامبوريّ رحمه اللّه

1347-1429هـ = 1928 – 2008م

 

 

في نحو الساعة 11 من صباح يوم الأحد: 23/ صفر 1429هـ = 2/مارس 2008م انتقل إلى رحمة الله تعالى الخطّاط الهنديّ الكبير سيّد أحمد الرامبوريّ بوطنه مدينة "رامبور" المعروفة بولاية "أترابراديش" عن عمر يناهز 80 عامًا. وبموته فقدت الديار الهنديّة خطّاطاً فريدًا للخطوط الأرديّة والعربيّة بأنواعها الكثيرة، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .

       وصُلِّي عليه بعد صلاة العشاء من اللية المتخللة بين الأحد والإثنين : 23-24/ صفر 1429هـ = 2-3/ مارس 2008م ووُرِّي جثمانه بمقبرة "شاه درگاهي محبوب إلهي" الكائن بـ"باغ پختہ" بمدينة رامبور .

       كان الخطّاط الفقيد بارعًا في كتابة الخطّ الفارسيّ الأرديّ، وخطّ النسخ والثلث والخطّ الديواني وخط الرقعة ، وطبّق شهرته الهندَ وتجاوزتها إلى بعض الديار العربيّة أيضًا؛ حيث كان يتقن تصميم التقاويم ونحت الخطوط في البلاطات بجانب إتقان كتابتها على الورق . وتعلّم الخطّاطيّة من أستاذ الخطوط السيّد عزة علي الرامبوريّ كما أنه حصل على شهادة "منشي فاضل" بالفارسيّة من المدرسة العالية بـ"رامبور" عام 1361هـ/ 1942م.

       أقام سيد أحمد الرامبوري سنوات عديدة بسلطنة عُمَان على دعوة من السلطان قابوس بن سعيد ، وقام بنحت الخطوط العربيّة ولاسيّما الثلث والخطّ الديواني الجليّ على جدران القصر الملكيّ وعدد من المساجد بالسلطنة ، مما أطار شهرته في عدد من البلاد العربيّة . كما أنّ كبير وزراء ولاية كشمير الهنديّة الأوّل الأسبق الشيخ محمد عبد الله (1323-1402هـ =1905-1982م) دعاه لنحت الآيات القرآنيّة وأسماء الله الحسنى بمسجد "حضرة بل" الشهير بـ"سري نجار" بكشيمر؛ فنحت أسماء الله تعالى الحسنى في الشريط الذي يقدر طوله 148 قدمًا وعرضه 3 أقدام . وذلك بخطّ الثلث العربيّ الذي يماثل خطّ الثلث المُطَرَّز على جدران "التاج محل" : الضريح الأثريّ النادر الذي أقامه الإمبراطور المغوليّ "شاهجهان" (1001-1077هـ = 1593-1666م) لزوجته "أرجمند بانو" الملقبة بـ"ممتازمحل" (المتوفاة 1040هـ/1631م) ويُعْتَبرُ بحقّ من روائع الفن المعماريّ العالميّ . وكذلك مارس كتابة الخطوط الجميلة في مبنى كلية الدراسات الإسلامية بجامعة "همدرد" بدهلي الجديدة .

       وقد أصدرت "مكتبة رضا" – إحدى المكتبات المعروفة العامرة بالمخطوطات النادرة - بمدينة رامبور للفقيد كتابين قيمين حول الخط والخطاطين: 1- "قصة الخطوط بلسان الصور" الذي صدر جزؤه الأول عام 1418هـ/ 1997م وجزؤه الثاني عام 1425هـ/ 2004م. 2- "تعريف بالخطّاطين المعروفين بالهند وإيران" الذي صدر عام 1428هـ/ 2007م .

       وكانت علاقته مع أستاذنا الجليل – أستاذ اللغة العربيّة العبقريّ في شبه القارة الهندية – فضيلة الشيخ وحيد الزمان الكيرانوي القاسمي (1349-1415هـ = 1930-1995م) قديمة ومتينة للغاية . وقد قال لي الفقيد الخطاط سيد أحمد رحمه الله أنّه على دعوة من الشيخ وحيد الزمان اقام بدهلي، وهو الذي عَلَّمَنِي خطَّ الرقعة ورَغَّبَنِي فيها، وقد كنتُ أجيد الخطوط العربيّة إلاّ خطّ الرقعة . وكان يتحدث عن الشيخ وحيد في لذة ويعترف بفضله عليه، ويشيد بمكارم أخلاقه.

       وقد لقيتُه سنوات عديدة أيّام كان مقيمًا بإحدى غرف "جمعية بلدنك" – مبنى الجمعيّة – بحيّ "قاسم جان" بقطاع "بليماران" بدهلي القديمة، ومكث بها عشرات السنين يُصَمِّم التقاويم ، ويكتب عناوين الكتب الهامّة . وكانت مكافأتُه التي كان يطلبها من الزبائن غالية جدًّا، لكون أعماله مُتْقَنَةً رائعةً جدًّا، فكانوا يزدحمون عليه لاستكتاب ما يودّون استكتابَه .

       وعندما تولَّيتُ عام 1402هـ / 1982م مسؤوليّة رئاسة تحرير مجلّة "الداعي" – التي كانت جريدة نصف شهريّة عندما تولّيتُها – طلبتُ إليه بدهلي بمبنى الجمعية المذكور أن يكتب لي كلمة "الداعي/ جريدة عربيّة نصف شهريّة" فكتبها بخط الرقعة الجميل الذي ظلّ يتصدّر الصفحةَ الأولى من "الداعي" الجريدة النصف الشهريّة عبر سنوات طويلة .

       وكان الفقيدُ طلقَ الوجه، كريمَ الأخلاق، متأنِّقًا في اللباس، وكان خفيفَ الروح، يحبّ المزاح، ويكره الانغلاقيّة والصمت والجهامةَ. ومن أجل الأعمال الطباعيّة للداعي وغيرها التي كنتُ أقوم بها بنفسي كانت رحلاتي إلى دهلي تتكرر في الشهر مرتين أو أكثر في ذلك الوقت. وكان كلما يصادفني في المبنى بمكتب جريدة "الكفاح" النصف الشهريّة — التي كانت تُصْدرها "جمعيةُ علماء الهند" لسانَ حال لها واحتجبت منذ سَنوات، وكان مكتبها بنفس المبنى، وكان يرأس تحريرها أستاذنا الكبير فضيلة الشيخ وحيد الزمان القاسمي الكيرانويّ رحمه الله — يسبقني إلى السلام عليّ واستخبار أحوالي. كان رجلاً يحبّه الطيّبون ولا يبغضه إلاّ السيّئون .

       وفي أواخر عمره غادر دهلي إلى وطنه "رامبور" وعاد يعمل لدى "مكتبة رضا" المذكورة على تدوين وصيانة لوحات نادرة موجودة بالمكتبة منذ أول العهد الإسلامي إلى العهد العبّاسي.

       وخلّف وراءه ثلاثة بنين وبنتين إلى جانب زوجته، رحمه الله ، وأكرم نزله في الجنة ، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان .

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذو القعدة – ذوالحجة 1429هـ = نوفمبر–ديسمبر 2008م ، العـدد : 11-12 ، السنـة : 32